بما أني من محبي اللغة العربية ، " وكما يفترض " ذات اهتمام بها ، وقضيت جزء لا بأس به من عمري في دراستها ، وأشعر بأهميتها ومكانتها وأملك الكثير من التقدير والاحترام لكيانها الشاهق ؛ كنتُ ولازلت أطلق بعض الملحوظات المدققة حين أشاهد خطأً إملائياً - خصوصاً إذا جاء فادحاً - .
هذا بالطبع لا يعني أني بعيدة عن هذهِ الأخطاء ؛ على العكس . بل إني أرحب بكل تنبيه وتنويه فالأمر ليسَ إلا " تعاوناً على البر " ، ومحاولة إبقاء لصورة اللغة العربية الجميلة بأصلها ، وإبقاء صورتنا - نحن المتحدثون الأصليون - صورة جميلة وصحيحة ، واثقة ، ومستحقة لهذهِ اللغة .
ومن هذا المنطلق سأبدأ بتقديم القليل الشحيح لهذهِ الأنيقة العذبة ، ولنا أيضاً نحن من يفترض أن نعتز بها ونزدادُ أناقةً وجمال ، وقدرة على الوصول إلى روح وأحاسيس المخاطب .
هي دروساً بسيطة جداً ، أو مشروعاً أبسط بكثير لخدمة العربية ..
أتمنى أن يؤتي أُكله .
ولعله من الأفضل أن ابدأ اليوم بـ الإجابة عن سؤال : لماذا أهتم باللغة العربية ؟
أستطيع أن " أتفلسف عليك " وأخبرك بالكثير الكثير عن مكانتها وروعتها ، والذهول الكبير الذي يحصل لمتعلميها الذين لم يحظوا بفرصة أن تكون لغتهم الأم ، وأدخلك في تفاصيل هي " حقيقية فعلاً " ، لكن لعلك ستمل ولن تقرأها .
لذا ببساطة سأجيبك بـ :
1- الناس يتعلمون اللغات ليسهل عليهم التواصل .
فتأكد أن إتقانك للغتك ينعكس سلباً وإيجاباً على تواصلك مع الآخرين وإيصال ما تريده لهم . والعكس صحيح .
2 - الأصل قبل الفرع .
كلنا " بحاجة " إلى تعلم لغة أخرى ، لكن من المخجل جداً أن تسعى لإتقان لغة أجنبية بينما لازلت تخطيء وتتعسر في لغتك الأم ، أياً كانت لغتك . هل رأيتم شعباً آخر يفعل هذا ؟
3- اللغة هوية ، وجزء من شخصيتك . هذا كلامُ قديم ، لكن فكر فيه !
وكأي جزء آخر من شخصيتك ؛ إن لم يبرز بالشكل الرائع والكامل فإنه كالخدش فيها ، سيظهر مشوشاً ويأثر على نظرة وإحترام الآخرين لك ، بغض النظر عن لغتك ! سواءً كانت العربية أو غيرها ..
4-هل فكرت في صورتك أمام من نتحدث لغتهم ؟
- هل تخيلت شكلك وأنت تتحدث الإنجليزية ليل نهار أمام من هي لغتهم الأم ؟ بمناسبة ومن غير مناسبة ، مع العرب وغير العرب ، ولم تستخدم لغتك لمره واحده أمامه ولو بالخطأ ، ظناً منك أن هذا أجمل وأكثر حضارةً وتطورا ً .. أو لعلك حين استخدمتها ، شوهتها وأخطأت !
- هل تخيلت شكل مواطناً أمريكياً يتحدث العربية بطلاقة ويتأّتئ في الإنجليزية ؟ هل تجدهُ ظريفاً ؟ أو ذكياً ؟ أو متطوراً ؟
- أن يجدني أجنبيٌ ما أتحدث بلغته أكثر من لغتي - لغير حاجة تذكر - ألن يستنتج تقليلي من قدر نفسي ؟ أو خجلي المدقع من هويتي ؟
- تخيل أن الشعب الأمريكي يتحدث اللغة العربية ، ونحن نتحدث الإنجليزية . أتظن أنه كان سيستعين بمفردات من إنجليزيتنا بمناسبة وبغير مناسبة !!؟
5- الشخص الجيد في لغة معينة هو جيد غالباً حين يتعلم لغة أخرى .
الأمر يتعلق بالمهارات اللغوية وتطورها في مخك ، فإن كنت جيداً في العربية هذا يعني أن فرصة اتقانك للإنجليزية أكبر من غيرك ، والعكس أيضاً إذا رأيت من نفسك استجابة جيدة في تعلم الإنجليزية فلا تقل أنك لم تتمكن من تعلم قواعد العربية ، أنتَ فقط لم تحاول بما يكفي .
6- سمعت كلاماً كثيراً يخبرك أن عليك المحافظة على لغتك ؟ وقد يبدو مملاً .. نعم .
و لربما اعتبرته كلاماً " مغبّراً " قديماً لا يهدف لأكثر من الحفاظ على تراث ! الأمر ليس كذلك إطلاقاً ، الأمر يتعلق بك أنت شخصياً ثم بنا نحنُ كجماعة ، فأنت شخصياً صدقني لن تكونَ جميلاً إن ألغيت لغتك واستخدمت لغة أخرى طوال الوقت ، وأنا لا أتكلم عن العربية الآن ، بل عن أي لغة أم .
لا يبدو تهميشك للغتك وانتقالك إلى لغة أخرى طبيعياً أو متناسباً مع المقصد من استخدام اللغات ، ولا يبدو حضارياً أصلاً ..
7- نريدُ تطوراً ، لا تراجع ..
أنا أحب الإنجليزية جداً وأحاول التحدث بها من وقت لآخر ، وهناك من يحب الفرنسية وآخر مهتماً باليابانية ، فالكثير منا " يستمتع " بتعلم اللغات الأخرى وليس فقط بحاجتها . كل هذا جميل ومن حقنا ، لكن الأجمل والمنطقي أن نصبح متقنين للغتين لا أن نضيع لغةً أصلية من أجل لغة ثانوية ، فهذا - وحسب مقاييس التطور بكل مفاهيمه وعند كل الشعوب البشرية - لا يبدو تطوراً على الإطلاق ، إنهُ تراجع .
لذا ولهذهِ الأسباب وغيرها - مما قد تراه أنت وجيهاً أكثر -أرى أن بإمكاننا تحقيق قانون التطور الحقيقي بالحفاظ على أساسيات ما لدينا من باب أولى ، وتعزيزه وإنماءه بدلاً من خسارته لتحقيق تطورات أخرى .
* أرحب بكل نقد وتدقيق